الفرحة تعم الأرجنتين بعد الفوز بكأس العالم الغائب عنها منذ 36 عام

يحتفل عشاق كرة القدم الأرجنتينية حول العالم بفوز الفريق على فرنسا في واحدة من أروع نهائيات كأس العالم في تاريخ البطولة.

لكن بالنسبة للمشجعين الفرنسيين، كانت تلك خيبة أمل وحزن حيث كان فريقهم قريباً جداً - لكنه فشل في النهاية- في الفوز بكأس العالم مرتين متتاليتين.

تعكس الاحتفالات في شوارع العاصمة الرجنتينية بيونس آيريس مشاعر الابتهاج- ولكن الارتياح أيضاً- من نتيجة ما اعتبر مباراة أثارت التوتر بصورة لا تصدق. فالفرح الذي غمر الناس في الشوط الأول من المباراة سرعان ما تحول إلى صمت في الشوط الثاني- والكثيرون منهم أمسكوا رؤوسهم بأيديهم، غير قادرين على مشاهدة ركلات الجزاء الترجيحية في نهاية المباراة.

وكان هذا نصراً لم تكن ترغب به الأرجنتين فحسب وإنما كانت بحاجة إليه أيضاً. فالبلاد تعاني اقتصادياً-وارتفاع التضخم يعني أن الأرجنتينيين يجدون صعوبة في الغالب من أجل تلبية احتياجاتهم في نهاية كل شهر.

إحدى النساء، واسمها "إلي"، كانت تغالب دموعها عندما قالت إن بطولة كأس العالم هذه منحتها فرصة للشعور بالسعادة والترابط.

لكن البطولة وحدت المنطقة أيضاً. ففي العادة تعتبر البرازيل، جارة الأرجنتين، الخصم الأكبر لها في كرة القدم، لكن تلك الخصومات تمت تنحيتها جانباً. وبدا شعور الفخر محسوساً في أوساط مواطني أمريكا الجنوبية بأن الأرجنتين تمكنت من انتزاع الكأس من فرنسا وإعادته إلى المنطقة.

تعرض مشجعو المنتخب الفرنسي لموقف صعب خلال المباراة، حيث تأوهوا وابتهجوا وبكوا على النتيجة المحزنة لفريقهم في كأس العالم وهي فوزهم بمركز الوصيف.

وتُرك المشجعون يتساءلون ما الذي حدث للفريق الذي كان مبهراً في وقت سابق من هذا الأسبوع- بعد شوط أول بدا فيه اللاعبون وكأنهم يلعبون المباراة بالحركة البطيئة.

ولم يبدأ الفريق الفرنسي في إظهار جانب من حيويته المعهودة إلا بعد أن أصبحت النتيجة هدفين نظيفين للأرجنتين ودخل البديل راندال كولو مواني قبل نهاية الشوط الأول بقليل.

وكما هو الحال في أغلب الأحيان، كان تألق كيليان مبابي هو الذي صنع الفرق. فثلاثيته التي سجلها في المباراة أدخلته كتب الأرقام القياسية. ومن المجهول عادت فرنسا بفرصة للفوز.

وبدت فرنسا، ليس في مرة واحدة بل مرتين، وفي الوقت الإضافي أيضاً، وكأنها قادرة على تحقيق أكثر حالات العودة إثارة، عندما سجلت الهدف الثالث من ضربة جزاء في آخر المباراة لتتعادل مع الأرجنتين.

وتحول ما بدأ كحالة مملة ومحبطة تذكرنا بكيفية سقوط جميع الفرق العظيمة في نهاية المطاف عن عرشها، إلى درس رائع في كرة القدم حول الطريقة التي يمنح بها القدر الأمل لليائسين.


لكن حالة الأمل لم تستمر. فعندما وصلوا في النهاية إلى ركلات الجزاء، بدا وكأن معظم المشجعين كانوا يعرفون أنهم سيواجهون هذا المصير. فحارس المرمى الفرنسي هيوغو لوريس لم يكن في أحسن حالاته في المواجهة فرداً لفرد.

بعد الساعة السابعة مساء بتوقيت فرنسا، انتهى كل شيء. فقد خيّم الصمت على المقهى. وأغلق أحدهم التلفاز. وبدأن الناس ينسلون إلى الخارج تحت البرد والمطر.

حققت الأرجنتين لقبها العالمي الثالث في بطولة كأس العالم بكرة القدم بعد فوزها بركلات الترجيح 4-2 في مباراة ماراثونية مع فرنسا في المباراة النهائية الأحد على ملعب لوسيل بقطر.

و احتكم منتخبا الأرجنتين وفرنسا حاملة اللقب إلى ركلات الترجيح بعد تعادلهما 3-3 في الوقتين الأصلي والإضافي.

وكان فريق التانغو قد توج سابقا بلقب البطولة العالمية لمرتين في عامي 1978 و1986 .

وسجل كليان إمبابي ثلاثة أهداف في مرمى الأرجنتين محققا التعادل لفرنسا في مباراة نهائي كأس العالم.

وقد توج إمبابي بجائزة الحذاء الذهبي بوصفه هداف هذه البطولة. بينما توج ليونيل ميسي بجائزة أفضل لاعب في البطولة، وحارس الأرجنتين، إيمي مارتينيز، بجائزة القفاز الذهبي للبطولة كأفضل حارس مرمى.

وكان ليونيل ميسي قد وضع الأرجنتين في الصدارة بثلاثة أهداف سجل بنفسه اثنين منهما، لكن إمبابي تمكن أيضا من تحقيق التعادل بثلاثة أهداف، كان آخرها في الشوط الثاني من الوقت الإضافي لتنتهي المباراة بالتعادل في وقتيها الأصلي والإضافي بثلاثة أهداف لكل من الفريقين.

وكان الفضل الكبير لفوز الأرجنتين هو المدرب الواعد ليونيل سكالوني

بعد عام من اعتزاله كرة القدم، شعر ليونيل سكالوني بفراغ هائل من الصعب تجاهله، فقد افتقد الظهير السابق لنادي وست هام يونايتد كرة القدم لدرجة أنه كان على استعداد للتواصل مع مسؤولي نادي سون كاليو للهواة، والمجاور لمنزله في جزيرة مايوركا، ليخبرهم بأنه على استعداد للعمل مع الناشئين بالنادي إذا كان ذلك ممكنا!.

وقد حدث ذلك بالفعل وتولى سكالوني تدريب الناشئين في نادي الهواة في عام 2016. وبعد إحدى الحصص التدريبية، سمع سكالوني بعض التقارير التي تشير إلى أن ليونيل ميسي قرر اعتزال اللعب الدولي مع منتخب الأرجنتين. لم يُصدق سكالوني ذلك، ونشر صورة لزميله السابق من المباراة النهائية لكأس أمم أمريكا الجنوبية (كوبا أمريكا) مصحوبة برسالة يائسة تقول: "هذه الصورة تقول كل شيء... لا تذهب يا ليو".

وبعد ست سنوات على ذلك، يستعد سكالوني لقيادة الأرجنتين في المباراة النهائية لكأس العالم أمام فرنسا، بعد أن تمكن حتى الآن من مساعدة ميسي على تقديم أفضل مستوياته على الإطلاق في كأس العالم، وبعد أن قاد راقصي التانغو للفوز بلقب كوبا أمريكا في البرازيل عام 2021، منهيا بذلك سنوات عجاف دامت 28 عاما بدون الحصول على أي بطولة.

ومنذ ذلك الحين، أصبح يُطلق على منتخب الأرجنتين اسم "لا سكالونيتا"، في إشارة إلى التأثير الهائل الذي أحدثه المدير الفني الشاب منذ توليه المسؤولية. والآن، أصبح المدير الفني البالغ من العمر 44 عاما هو الرجل الأكثر شعبية في البلاد.

ووصل الأمر لدرجة تجديد عقد سكالوني مع المنتخب الأرجنتين حتى عام 2026، حتى قبل أن تبدأ منافسات كأس العالم. وكان مارسيلو بيلسا آخر مدير فني للأرجنتين يستمر في منصبه بعد كأس العالم في عام 2002.

في الحقيقة، تعد هذه شهادة على شعبية سكالوني الهائلة، فهناك ثقة عمياء من الفريق بأكمله والجماهير في المدير الفني الشاب.

وقال رودريغو دي بول، لاعب خط وسط أتلتيكو مدريد: "لو كانت الساعة العاشرة صباحا وأخبرنا سكالوني أننا بالليل، فهذا يعني أننا بالليل!"

وعلى عكس ما كان يحدث في الماضي، ينظر ميسي ورفاقه الآن إلى غرفة خلع الملابس ليجدوا واحدا منهم هو من يتولى تدريبهم. والآن، يسعى لاعبو الأرجنتين للفوز بكأس العالم للمرة الأولى منذ عام 1986.

يقول لاعب خط الوسط السابق لوتشو غونزاليس لبي بي سي: "لدينا طاقم تدريبي يضم سكالوني ولاعبي كرة قدم سابقين آخرين مثل بابلو أيمار وروبرتو أيالا ووالتر صامويل، الذين لديهم خبرات هائلة بقميص الأرجنتين، ويعرفون قيمته جيدا، وهم قادرون على تحقيق هذا الإنجاز".

ويضيف: "ويمكنك أن ترى بوضوح شديد أن لدينا مجموعة من اللاعبين، الذين يعملون بسعادة عندما يجتمعون معا. لدينا أيضا أفضل لاعب في العالم، لكن الفريق يجعله يشعر بأنه بحالة جيدة ولا يعتمد عليه بمفرده، وهذا أمر مهم للغاية".

زادت شعبية سكالوني بشكل جنوني في الأرجنتين خلال الاستعداد لنهائيات كأس العالم 2022 بقطر، لكن لم يكن أحد يتوقع ذلك على الإطلاق عندما عُين الرجل القادم من قرية بوجاتو الصغيرة في البداية كمدير مؤقت بعد مشوار الأرجنتين الكارثي في مونديال روسيا 2018.

وكانت الانتقادات لسكالوني شديدة لدرجة أن الأسطورة دييغو مارادونا قال في ذلك الوقت إن كأس العالم الوحيد الذي يمكن أن يخوضه سكالوني هو كأس العالم للدراجات النارية، وليس لكرة القدم.

استمع سكالوني إلى كل ذلك، لكنه حافظ على هدوئه وتواضعه وفضل عدم الرد. ولم يكن بإمكان سكالوني أن يجادل كثيرا بشأن افتقاره للخبرات اللازمة، نظرا لأن كل خبراته التدريبية كانت تتمثل في العمل كمساعد لخورخي سامباولي في إشبيلية ثم كمساعد معه أيضا مع المنتخب الوطني في روسيا. وقبل عامين فقط من الآن، كان سكالوني لا يزال يدرب الأطفال في نادي الحي الذي يقيم فيه!.

يتذكر لوتشو ما حدث قائلا: "ذهبنا معا إلى كأس العالم 2006، لكن على الرغم من مسيرته الاستثنائية، لم أكن أتخيل أنه سينجح كمدير فني بهذا الشكل. من الطبيعي أن يتم التشكيك فيه في البداية، إذ لم تكن وسائل الإعلام تعرف الكثير عن قدراته، لكن اتضح أن الاعتماد عليه كان خطوة ذكية للغاية من جانب الاتحاد الأرجنتيني لكرة القدم".

ويضيف: "أعتقد أن الوقت قد أظهر أنه إذا لم تركز كثيرا على النتائج المبكرة، فإن الأمور ستنجح. وقد نجحت بالفعل".

الإحساس السائد في الأرجنتين هو أن "لا سكالونيتا" تتمتع بقدر كبير للغاية من التعاون والجماعية، وهو الأمر الذي حدث وتطور على مدار عدة سنوات. فعندما احتفل لياندرو باريديس، لاعب خط وسط يوفنتوس، بعيد ميلاده في مدينة إيبيزا الإسبانية الصيف الماضي، سافر 13 لاعبا من لاعبي المنتخب الأرجنتيني للاحتفال معه.

ويلتزم سكالوني بقاعدة ثابتة في معسكر المنتخب الأرجنتيني وهي أنه يجب أن يجلس جميع اللاعبين على نفس الطاولة حتى يتمكنوا من الحديث سويا والنظر في عيون بعضهم البعض.

وبالتالي، لا عجب في أن هذه هي المرة الأولى منذ عام 2006 التي يؤمن فيها الأرجنتينيون حقا بأنهم قادرون على الفوز بكأس العالم. ولم يتغير هذا الاعتقاد حتى بعد الهزيمة المفاجئة أمام السعودية.

يقول لوتشو: "في العادة لا يهم كيف تصل إلى هذه البطولات، لكن من الواضح أن الوصول إلى هذه البطولات كواحد من أقوى المرشحين لحصد اللقب وسط هذه الأجواء الرائعة يثير حماس وإثارة الجماهير".

ويضيف: "إنها كأس عالم استثنائية، فهي الأولى لنا بدون مارادونا، الذي عشقه كل الأرجنتينيين - وخاصة أنا - لكن روحه ستظل دائما معنا في مثل هذه اللحظات. لكن ليس لدي شك في أنه يدعمنا من أعلى".